منصة السودان الاخبارية
معك في كل مكان

الصحافيون … حكايات موجعة

الصحافيون … حكايات موجعة

الصحفية هدى حامد ماتت بسبب عدم المقدرة المادية
الصحفي طارق عبدالله: وجدت سجّان يدفعني دفعا إلى بدروم به ما يزيد عن (300) معتقل
الصحفي عبد العليم مخاوي: أجبرتني ظروف الحرب للعمل على (درداقة)
تحقيق – حنان كشة ـ 

الصحافيون من أكثرالفئات التي إستهدفتها مليشيا الدعم السريع بشكل لافت, فما أن يثبت أنك صحفي حتى يلحق بك الضرر بكافة أشكاله, من الإعتقال و التعذيب, ومكابدة الأوضاع المعيشة القاسية لتداهمك الأمراض وتعاني أشد المعاناة ، لجأ بعضهم إلى مهن أخرى ليؤمن لذويه رزقا حلالا وآخرين مازال مركب الواقع يتأرجح بهم في عاصفة الحرب التي تطاول أمدها.

ماتت بلدغة عقرب:
منذ ما يقارب العشرة أيام بعثت برسالة إلى تلفون الزميلة الصحفية هدى حامد , التي ودعت الفانية في الثاني من يونيو من العام الحالي في صمت مخلفة وراءها طفلة صغيرة تحتاج كل شئ, فقد كان رحيلها بسبب ضيق ذات اليد وأسرتها تكابد الأسى ولا يجد أي من أفرادها فرصة عمل ليسدوا رمق الجوع والحرمان مثلهم مثل آلاف الأسر السودانية المتعففة, تقول أختها زينب حامد التي ردت على رسالتي بعد عشرة أيام أنها لا تمتلك حتى المبلغ المالي الذي يمكنها من تفعيل خدمة الإنترنت في هاتفها، تحكي زينب حامد القصة الكاملة لرحيل شقيقتها هدى بقولها أخبرتني هدى قبيل رحيلها بأيام بلدغة عقرب في رجلها وتم تجاهل الأمر فترة زمنية طويلة لعدم وجود ما يمكنهم من الذهاب للمستشفى ومعرفة ماجرى حتى أنهم نسوا الأمر تماما ولم ينتبهوا إلا بعد ورم الرجل بشكل غير طبيعي وكانت تتحمل لفترة أسبوعين وبعد أن تزايد الورم والألم لم تجد بد من الذهاب إلى المستشفى, فكان أن أخبرهم الطبيب أنها تعاني بداية جلطة وصرفت العلاج وعادت أدراجها للمنزل لكن ولأنها كانت تعاني قبل ذلك من نقص في الفايتمينات وإنقلع أظفرها وخلّف جرح غائرفي الرجل , حينها ظلوا يترددون على المستشفيات فالجرح صار يزيد ألما وحجما حتى تعفن وتورمت الرجل بشكل غير طبيعي, وتقول شقيقتها أنها أصبحت لا تأكل ولا تشرب, ولم يكتشفوا أنها مصابة بمرض السكري إلا بعد فوات الأوان، هكذا رحلت هدى وتركت حزنا وألما عميقا لا ينمحي،الآن أسرة هدى تمكث في منطقة شرق النيل معية أشقائها وخالتها التي ظلت معهم منذ رحيل والدتهم في العام 2021م , طفلة المرحومة هدى الآن في ظل أوضاع مأساوية فالحرب قضت على الأخضر واليابس حتى أنه تم إيقاف الطفلة من المدرسة بسبب عدم مقدرة الأسرة مجتمعة على المصاريف الدراسية ومنصرفات اليوم الدراسي وهم يعيشون برحمة رب العرش العظيم.
قوة مدججة بالسلاح:
الصحفي طارق عبدالله قال إنه كان يمارس حياته العملية بشكل عادي ليتفاجأ بالحرب مثله مثل بقية المواطنين وإنه كان يعتقد أن الخلاف بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع بسيط وأن الأحوال ستعود لطبيعتها بعد أن تتم السيطرة على الأحداث المأساوية التي شكلت بداية مشاهد الدمار, ويمضي طارق ليضيف بأنه يسكن منطقة الحاج يوسف وأن الوضع كان طبيعي إلى حد ما لعدم وجود مقار لا للجيش ولا لمليشيا الدعم السريع لكن للأسف وحسب تعليقه فإن مليشيا الدعم السريع إنتشرت في المنطقة وأقامت إرتكازات عديدة وبدأت في ملاحقة المواطنين وبدأ السكان في النزوح للولايات الآمنة, هنا صمت الصحفي طارق وهو يتحدث لصحيفة (أصداء سودانية ) ثم عاد لمواصلة حديثه بعد أن أطلق تنهيدة عكست الهموم التي تناوشته على الصعيد الشخصي, فأسرته كبيرة تتكون من أربعة عشر فردا لذا لم يكن معه كما قال من الأموال ما يمكنه من إجلائها فهو المسئول عن توفير إحتياجاتها خاصة بعد تضاعفت تكلفة السفر أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب وكان من الصعوبة المغادرة ، يقول أنه إتفقوا (هو وجيرانه) على حماية منازلهم وأسرهم وأنهم صاروا يتجمعون في الطرقات منذ العاشرة صباحا حتى الثالثة صبيحة اليوم التالي وبدأت الأمور تمضي على نحو جيد لعام وأربعة أشهر أخرى لم يواجهوا بمشكلات إلا في حالات نادرة حتى يوم التاسع عشر من مايو الماضي حيث أنه تفاجأ بقوة مدججة بالسلاح تقف أمام منزله أثناء قدومه من السوق وكانت القوات تسأل عن شقيقه الذي لم يكن يسكن معهم وحينما أخبرهم بذلك طلبوا منه إبراز مستند رسمي فأخرج بطاقته الشخصية ووجدوا في خانة المهنة أنه يعمل بالصحافة وكانت تلك الطامة الكبرى.
رسالة في هاتفي:
يقول طارق عبدالله بعدها الأوضاع تبدلت رأسا على عقب فبعد أن كانت القوة المدججة بالسلاح تبحث عن شقيقه صارت تدقق في أمره هو حتى أن أفرادها دخلوا بقوة السلاح رغم أنفه وفتشوا في المنزل عن أشياء لم يفهم كنهها وقاموا بإرهاب أفراد أسرته, وقتها كانت والدته وإثنين من أشقائه مرضى ولم يشفع لهم ذلك وتم إقتياده لاحقا إلى مكتب الإستخبارات وهناك عاودوا السؤال عن شقيقه ثانية بأسئلة بسيطة كان يرد عليها وعرجوا ليبدأوا في التمحيص عن أمر نفسه فيما يتعلق بممارسة مهنة الصحافة فأخبرهم بأنه عاطل عن العمل وأن الصحافة التي كان يمارسها ورقية تحتاج لمكاتب ومطبعة ومكتبة لتباع فيها ومؤسسة حكومية تشترك في إصدار الصحيفة, لكنهم لم يستوعبوا ما أقول , وعثروا على هاتفي وقاموا بتفتيشه ووجدوا محادثة مكتوبة بيني وزميلي الصحفي بصحيفة الإنتباهة (سفيان نورين) وهي محادثة عادية حسب قوله جاء فيها بعد التحية والسلام سؤال عن كيفية إنتشار الدعامة وردّ سفيان بأنهم منتشرين وأنهم يمارسون (الشفشفة) وسأله سفيان عن دور الإمارات في الحرب فرد بأن ذلك أمر يحتاج لإجراء تقرير صحفي وإنتهت المحادثة, بعدها بحثوا عن تحركاتي في مؤشر البحث على الإنترنت فوجدوا بحثي عن خطاب ألقاه الفريق أول ياسر العطا ووجدوا إنني مشترك في عدد من صفحات الفيسبوك التي ترتبط بمهنة الصحافة وبعضها يرتبط بممارسة عملي بالجامعة التي أعمل بها.
تلفيق إتهامات:
يواصل طارق عبد الله سرد حكايته مع مليشيا الدعم السريع بعد ذلك تم تلفيق إتهامات تمثلت منها إساءتي للمليشيا بأنها تقوم بـ (الشفشفة) و تم نقلي لمعتقل الرياض حينها وجدت سجّان يدفعني دفعا إلى بدروم يفتقر لأبسط مقومات الحياة لا تهوية فيه ولا إنارة ولا مروحة ينتشر فيه القمل الذي يطلقون عليه لفظ (المسيرات) به ما يزيد عن الثلاثمائة معتقل ولا مساحة للجلوس فيه إطلاقا ناهيك عن الإستلقاء والنوم ويفتقر المكان تماما لأبسط متطلبات النظافة الشخصية , ولم نتمكن من السواك والإستحمام خلال الخمسة عشر يوما التي قضيتها هناك وكان يقدم لنا كوب ماء واحد خلال اليوم ووجبة أرز لا تتعدى (الكمشة) وتم نقلي إلى سجن سوبا الذي كان أفضل حالا من معتقل الرياض بتوفر عنابر ملحق ببعضها (حمامات) وتتضمن العنابر منافذ تهوية وإنارة وتم تحسين الوجبة بحيث أضيف للأرز ملعقتين من العدس وبقيت فيه لستة أيام بعدها تم إطلاق سراحي.
حكاية أخرى:
للصحفي عبد العليم مخاوي قصة تختلف فهو يسكن برفقة شقيقه في منطقة القوز, يقول أنهم بدأوا يشعرون بملامسة الحرب لهم بعد أسبوعين من نشوبها ,وتمثل ذلك في إنقطاع الكهرباء وتذبذب في خدمة شركات الإتصالات وكانت العبوات الناسفة والرصاص الطائش تصيب كثيرين , وحسبما يقول أصبح تواجدهم في المنطقة يشكل خطرا على أرواحهم, بدأ سكان المنطقة رحلة نزوح جماعي لما يقارب الـ(95%) يقول توجهنا صوب منطقة الكلاكلة التي كانت الأمور فيها تسير بشكل طبيعي ومكثنا هناك لفترة شهر ونصف وما أن بدأت الأوضاع تتأثر بالحرب وكان الرصاص الطائش والدانات ومضادات الطائرات تسقط على سكان تلك المنطقة وتزايدت المعاناة , لم يكن هناك بد من المغادرة وما عجّل بذلك وجود بركة مياه كبيرة فيها (موية مطرة) في شارع المنزل الذي كنا نسكنه وتفاجأوا بوقوع دانة لم تنفجر وكان ذلك مثار تخوفهم وسببا مباشرا لمغادرتهم ولاية الخرطوم متجهين لمدينة كوستي وقتها كانت الصحيفة والإذاعة اللذين يعمل بهما متوقفتان.
مشكلات صحية:
يقول عبد العليم مخاوي بعد أن وصلوا مدينة كوستي لم يكن لديهم مصدر دخل وكان من الصعب عليهم مد أياديهم لسؤال الناس العون, يقول أنه إتصل بمدير البرامج بإذاعة النيل الأبيض طالبا منه مساعدته في إيجاد فرصة عمل بالإذاعة وللأسف الشديد أغلق الباب في وجهه ولم يكن هناك بد من البحث عن عمل حتى وإن كان باليومية ليتمكنوا من توفير ما يقيهم وشقيقتهم الأرملة والتي توفى زوجها في أيام الحرب الأولى ووالدهم الذي تعرض لكسر في منطقة الحوض ولم يتوانوا حينما وجدوا فرص عمل في نقل الخضار والفاكهة ب(الدرداقات) في سوق الملجة القريب منهم وهناك تفاجأ القائمين بالأمر أن بين الملتحقين الجديدين بالعمل صحفي وكان ذلك مثار تساؤلات للقائمين على أمر الملجة, يقول مخاوي أن العمل تواصل هناك لعام ونصف ويصف العمل بأنه شاق جدا مما يتطلب مجهود بدني كبير تعرض جراء ذلك بتمزق حاد في كل عضلات الجسم ومفاصله وشد في أعصاب الأطراف إستلقى جرائها على السرير الأبيض لما يزيد عن الثلاثة أشهر وخضع خلالها للعلاج وتماثل للشفاء لكن حذره الطبيب من تعرض جسمه لحمل زائد بما يفوق طاقة الجسد ونصحه بتخفيف المجهودات البدنية العالية ويعلّق وهو يتحدث لصحيفة (اصداء سودانية) أنه لم يكن بمقدوره الإلتزام بموجهات الطبيب وعاود العمل بذات الوتيرة في سوق الملجة لكن شاءت الأقدار أن تنقضي تلك الفترة العصيبة ليتسنى له العمل في عدد من المنصات الإعلامية وتقليل ساعات عمله بسوق الملجة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.