منصة السودان الاخبارية
معك في كل مكان

حمدوك يكتب.. لا حل عسكرياً في السودان

متابعة- منصة السودان -

 

عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان الأسبق

السودان يقف عند نقطة الانهيار. لقد أدت الحرب التي تلتهم وطننا إلى تهجير الملايين، وتدمير مؤسساتنا، وترك شعبنا في حالة من المعاناة التي لا يمكن تصورها. ومع ذلك، فإن المأساة التي تتكشف أمام أعيننا لم تكن حتمية؛ بل هي نتيجة عقود من الإقصاء، والتفاوت الاقتصادي، وانهيار المؤسسات. وهي أزمة لا يمكن، ولن يمكن، حلها باستخدام القوة العسكرية.

لا يوجد حل عسكري لحرب السودان. إن استعادة الجيش للقصر الرئاسي في الخرطوم مؤخرًا، رغم تغييرها المشهد التكتيكي، لا يغير من الحقيقة الأساسية: لا يمكن لأي طرف تحقيق نصر حاسم من دون التسبب في خسائر كارثية بين المدنيين. استمرار الصراع سيعمق المعاناة ويكرس الانقسامات. علاوة على ذلك، هناك خطر حقيقي ومتزايد بأن يتعرض السودان للتفكك وفقًا لمصالح متصارعة.

القوة الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة السودان ومنع تفككه هي حكومة ديمقراطية مدنية تمثل جميع السودانيين. لقد أثبت تاريخ السودان الحديث أن الانقلابات العسكرية والحكم السلطوي لا يؤديان إلى سلام أو استقرار دائم، بل يزرعان بذور صراعات مستقبلية. لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي إلا عبر تسوية سياسية تفاوضية تعالج الأسباب الجذرية للحرب.

إن تداعيات هذه الحرب تجاوزت حدود السودان بالفعل. فقد زادت من زعزعة الاستقرار الإقليمي، وأسهمت في انتشار الأسلحة، والنزوح العابر للحدود، والاضطرابات الاقتصادية في البلدان المجاورة. تكافح كل من تشاد وجنوب السودان لإدارة تدفق اللاجئين، بينما تواجه التجارة الإقليمية والتعاون الأمني ضغوطًا متزايدة. وإذا تُركت الأزمة دون حل، فإن حرب السودان قد تتحول إلى أزمة أوسع تهدد استقرار منطقة هشة أصلاً.

يمثل الاجتماع الوزاري المرتقب في لندن لمناقشة الوضع في السودان فرصة نادرة وحاسمة أمام العالم ليتحرك. أرحب بهذه المبادرة من المملكة المتحدة، التي تظهر قيادة مطلوبة بشدة في لحظة مصيرية. يجب أن يكون هذا الاجتماع نقطة تحول — لحظة ينتقل فيها المجتمع الدولي من مجرد إبداء القلق إلى اتخاذ إجراءات جماعية ملموسة. لا يمكن للعالم أن يدير ظهره للسودان الآن.

أدعو الاجتماع الوزاري إلى اعتماد خطة عمل لندن من أجل السودان، والتي تتضمن الخطوات الحاسمة التالية: أولاً، يجب على المجتمع الدولي أن يؤيد مبدأ القيادة المدنية كأساس لأي عملية سلام في السودان، وأن يعارض أي ترتيبات تكرس الحكم السلطوي، أو تسهل عودة النظام السابق، أو تساهم في تفتيت السودان. يجب ألا نسمح بتحول السودان إلى بؤرة للإرهاب الدولي أو مصدر لهجرات جماعية غير مسبوقة.

ثانياً، ينبغي أن يؤسس المؤتمر مجموعة اتصال رفيعة المستوى مكلفة بدعم وتنسيق الجهود الدولية من أجل السلام في السودان. ويجب أن تحث هذه المجموعة جميع أطراف النزاع على الالتزام الفوري وغير المشروط بوقف إنساني لإطلاق النار، مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق، وحماية المدنيين.

من الضروري أن يؤدي مؤتمر الأسبوع المقبل إلى مزيد من النقاش. ينبغي عقد مؤتمر دولي للتعهدات المالية لسد الفجوة التمويلية التي حددتها الأمم المتحدة، وإنشاء إطار لإعادة إعمار السودان. ويجب أن يشارك المدنيون مشاركة نشطة في تصميم هذا المؤتمر لضمان عملية شاملة ومستدامة تعكس أولويات واحتياجات الشعب السوداني.

ينبغي أن يعقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي جلسة مشتركة لوضع تدابير ملموسة لحماية المدنيين وفقاً للقانون الإنساني. كما يجب على الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد) تنظيم اجتماع تحضيري مدني شامل بقيادة سودانية، لوضع هيكل لعملية سلام شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع.

لقد علمنا التاريخ أن الحروب لا تنتهي بمجرد بلوغ الإنهاك؛ بل تنتهي عندما تفرض الإرادة السياسية، والدبلوماسية، والعمل الجماعي طريقاً نحو السلام. يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية دعم السودان في هذه اللحظة ليس بمجرد إيماءات رمزية، بل عبر جهود جريئة تمكّن المدنيين وتزودهم بالأدوات اللازمة لاستعادة وطنهم.
إن حرب السودان ليست مجرد أزمة سودانية؛ إنها اختبار لالتزام العالم بالسلام والديمقراطية وحماية الحياة الإنسانية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.