أطرق الجنرال برأسه وهو ينظر للأرض ويلوح بعصائه التي يحملها وهو يجلس إلى مبعوث أجنبي زائر لبلاده بعد تعيينه مبعوثا لها ،وسبق المبعوث تلك الزيارة بتصريحات عديدة تحمل في طياتها كل أنواع الغطرسة والغرور معتبرا ان بلاده التي يمثلها دولة عظمى وتستطيع ان تملي ما تريد على أي دولة وتستطيع ان تفرض ارادتها ايضا كما تشاء على من تشاء ،ولم يدر بخلد ذلك الأجنبي أن هناك شعوب ودول تعودت على ان لاتخضع وان لا تنكسر ،وأنها تفضل ان تقدم مصالح بلادها على ان ترضي مصلحة دولة لا ترغب الا في كسر شوكة هذا البلد واملاء مايفعله وما لايفعله ..وبعد ان لوح الجنرال بعصائه قال موجها حديثه للمبعوث نحن لانرضخ ولا ننكسر وسوف نفعل ما نريد متى نشاء وكيف نشاء …ثم وجه الجنرال عناصره بتوصيل المبعوث لسلم الطائرة التي اتت به معلنا نهاية عهده وعلاقته ببلاده نهائيا ..السيناريو السابق لا يمت للواقع بصلة ولاعلاقة له بأي تفاصيل تخص أي دولة أو مبعوث
أول زيارة:
ويبدو ان زيارة المبعوث الأمريكي للسودان توم بريليو بعد أكثر من 9 أشهر على تعيينه للدولة محل التعيين كانت محل تندر من الكثيرين خصوصا المراقبين ،وعدوا محاولاته السابقة لتقريب وجهات النظر بين الحكومة السودانية والقوات المتمردة (مليشيا الدعم السريع) حرث في البحر ،فكيف تقرب وجهات النظر مع جهة انت لاتعترف بها ولم تقم بزيارتها على الاطلاق.
ورفضت الحكومة في السابق استقبال المبعوث لأنه اشترط لقاء رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان بصفته قائدا للجيش وليس رئيسا لمجلس السيادة وأن يكون اللقاء في مطار بورتسودان وليس في المقر الرسمي للحكومة بما يعني ضمنيا عدم اعترافه بشرعيتها ،وتلاها رفض الحكومة للمشاركة في مفاوضات (فخ) جنيف والتي رعتها الولايات المتحدة ومبعوثها ..ويبدو ان مياها كثيرة جرت تحت الجسر وارغمت المبعوث ودولته على تغيير سياستها تجاه السودان واضطرتها مرغمة على الاعتراف بشرعية الحكومة والتعامل معها كممثل للشعب السوداني ،فما الذي جري؟ ولماذا اتى المبعوث صاغرا ورادخا للمطالب السودانية.
ونقلت مصادر مطلعة لـ(أصداء سودانية) تفاصيل لقاءات المبعوث الامريكي مع المسؤولين السودانيين والتي اتسمت بالمواجهة والصراحة وتمليك المعلومات الحقيقية ورفض اي إملاءات قد ترغب أمريكا في تقديمها ،مع الاخذ في الاعتبار ان حكومة بايدن تبقت لها ايام قليلة جدا في البيت الأبيض وسوف تعقبها حكومة جديدة بسياسة جديدة يرجح ان تكون أكثر دعما لمجلس السيادة ورئيسه البرهان بحكم تحالف قديم وود بين الرئيس دونالد ترامب والبرهان
من هو بيرييلو؟:
وولد توماس ستيوارت برايس بيرييلو المعروف بـ(توم بيرييلو) في التاسع من أكتوبر 1974 في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا ، ونشأ مع والده الذي يعمل طبيبا للأطفال ووالدته المحللة المالية في مدينة آيفي بالولاية نفسها ،ودرس توم الحقوق في جامعة “ييل”ونال منها درجة الدكتوراة . وكان توم من أبرز المحركين الرئيسيين الذين مهدوا لعودة ظهور اليسار المسيحي كقوة سياسية إبان حكم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، فأسس عام 2004 منظمة خاصة بالكاثوليك الملتزمين والساعين لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وانتخب لعضوية الكونغرس في 2008 وخسر مقعده عام 2011 ، وعلى الرغم من أنه كان أحد حلفاء الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما خلال فترة وجوده داخل الكونغرس، فإنه خسر مقعده أمام الجمهوري روبرت هيرت.وانضم بعدها إلى إدارة أوباما، وعمل مبعوثا إلى منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2015 ،خسر في سباق حاكم فيرجينيا عام 2017، على الرغم من إدارته حملة انتخابية وصفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها “الأكثر تقدمية” في التاريخ الحديث للولاية.
وعمل في الفترة من 2002-2003 في المحكمة الخاصة بسيراليون بتفويض من الأمم المتحدة، ثم أصبح مستشارا خاصا للمدعي العام ديفيد كرين، ثم مستشارا للمركز الدولي للعدالة الانتقالية في كوسوفو عام 2003، وفي إقليم دارفور عام 2005، ثم أفغانستان عام 2007. انتقل بعد مغادرته للكونغرس إلى دور الرئيس التنفيذي لمركز “صندوق العمل التقدمي الأميركي” وهو منظمة غير ربحية، كما شغل منصب مستشار للسياسة بالصندوق
اجتماعات مكثفة:
وانخرط بيريللو فور وصوله إلى بورتسودان في اجتماعات مكثفة مع كبار المسؤولين في الدولة .وبدأ المبعوث الأمريكي لقاءته مع وزير الخارجية علي يوسف، ثم انخرط في اجتماع مع سلطان المساليت، ونائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار ثم لاحقا التقى بالبرهان . ونقل المبعوث للمسؤولين السودانيين بأنه لاعلاقة له بمقترح ايقاد لنشر 4500 جندي في السودان ،وأكد لهم ان أمريكا تتمسك بالحل السياسي لإنهاء الحرب في السودان بدلا عن نشر قوات ،واشارت المصادر ان المبعوث لم يتطرق لطرح اي مبادرة أخرى لحل الأزمة في السودان، او تحديد موعد جديد لاستئناف مفاوضات جدة
مطول وصريح:
وإلتقى البرهان بالمبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بريلو بحضور وكيل وزارة الخارجية بالإنابة عمر عيسى و سفير السودان لدى الولايات المتحدة الأمريكية السفير محمد عبدالله.
وقال السفير محمد في تصريح صحفي أن اللقاء كان مطولاً وشاملاً وصريحاً. تم فيه تناول كل مايدور بشأن الأزمة الراهنة خاصة فيما يتعلق بالأضرار الكبيرة التي لحقت بالمواطنين جراء الإستهداف الممنهج الذي مارسته مليشيا التمرد في حق المدنيين والنازحين واللاجئين .مبيناً أنه تم الحديث أيضا حول خارطة الطريق وكيفية إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية ورتق النسيج الإجتماعي. فضلا عن العملية السياسية كمخرج نهائي لما بعد الحرب، وأضاف ان المبعوث قدم مقترحات في هذا الصدد .ووافق عليها رئيس مجلس السيادة وقال أن الحكومة السودانية أوفت بكل الإلتزامات التي قطعتها بشأن فتح المعابر والمطارات من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية مؤكداً إنفتاح الحكومة نحو كل ما من شأنه إيصال هذه المساعدات للمحتاجين.وبين محمد ان رئيس المجلس السيادي أكد عدم موافقة حكومة السودان على إستغلال معبر أدري لتوصيل السلاح للتمرد.
وأوضح محمد أن المبعوث الأمريكي إبتدر زيارته للبلاد بعقد سلسلة من اللقاءات شملت وزير الخارجية السفير علي يوسف. حيث تمت مناقشة العديد من القضايا السياسية والعلاقات الثنائية والقضايا الإنسانية وكيفية إيقاف الحرب.
كما إلتقى بنائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار .حيث إتسم اللقاء بالصراحة وتم فيه التطرق لكل القضايا بما فيها قضية كيفية إيقاف الحرب في السودان وتوصيل المساعدات الإنسانية لمستحقيها فضلاً عن الدول الإقليمية وبالأخص الإمارات التي تدعم مليشيا الجنجويد بالسلاح والعتاد الحربي.
رسالة واضحة:
من جانبه بين المبعوث الأمريكي أن زيارته للسودان تحمل رسالة واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تقف بجانب الشعب السوداني مثلما كان يحدث دائما خلال العقود الماضية وقال أنه من دواعي الفخر والإعزاز أن تكون الولايات المتحدة من أكبر الداعمين للمساعدات الإنسانية للنازحين في داخل السودان أو للاجئين الذين عبروا الحدود نحو دول الجوار . وقال أن بلاده ستظل تعمل مع السودان لضمان حصول أي شخص على المساعدات اللازمة من دواء وغذاء وماء بكرامة، وأضاف ” نتشارك الطموح من أجل أن تنتهي هذه الحرب حتى تقف الفظائع والانتهاكات التي شاهدناها مؤخراً في الجزيرة وغيرها .وشكر توم بيرلو المسؤولين بالدولة الذين إلتقاهم فضلاً عن زعماء القبائل والمجتمع المدني مشيراً الي الحفاوة والاستقبال التي حظي بها خلال زيارته للسودان
كواليس:
ما نقلته المصادر لـ(أصداء سودانية) حول كواليس الزيارة ان المبعوث قدم اعتذارات مبطنة حول موقفه السابق من الحكومة ،كما حمل خلاله تغيير واضح في مواقفه ،ورغبته الاكيدة في فرض بلاده عقوبات على المليشيا مع دراسة امكانية تصنيف كمجموعة ارهابية.
فهل تحمل الحكومة اعتذارات واماني المبعوث الأمريكي على محمل الجد وتأخذ بها خصوصا وهو يسابق الزمن قبل انتهاء فترة ولاية رئيسه بايدن ،والذي يرغب في انهاء الحرب في السودان كاخر عمل يقوم به