تشهّد القاهرة، عاصمة الثقافة والحضارة، رحيلًا متسارعًا للعديد من المبدعين والمثقفين والوجوه القيادية السودانية. هذا الرحيل الجماعي، الذي تزامن مع الأحداث الدامية في السودان، يثير تساؤلات عميقة حول الأسباب الكامنة وراء هذه الخسارة الفادحة، وما هي التداعيات المحتملة على المستويين الفردي والجماعي.
من أسباب الرحيل المبكر بعد الإيمان بقضاء الله وقدره وناموس الحياة والموت، فلتكن الحرب والصراع، لا شك أن الحرب الدائرة في السودان هي العامل الأبرز في هذه الظاهرة. فالهروب من ويلات القتال، وتغيير البيئة المعيشية، والضغوط النفسية الناجمة عن الخوف والفقدان، كلها عوامل تساهم في تدهور الحالة الصحية، وخاصة لدى كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، والانتقال المفاجئ من بيئة إلى أخرى، وتعرض الجسم لظروف مناخية وجغرافية مختلفة، يضع ضغطًا إضافيًا على الجهاز المناعي، ويجعله أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، ويعاني اللاجئون والمهاجرون بشكل عام من ضغوط نفسية شديدة، تتفاقم في ظل الأزمات والحروب. الشعور بالوحدة والعزلة، وصعوبة التأقلم مع بيئة جديدة، كلها عوامل تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية، والعديد من الراحلين كانوا يعانون من أمراض مزمنة قبل الحرب، وقد ساهمت الأحداث الأخيرة في تفاقم حالتهم الصحية، و سرعت من وتيرة تدهورها.
التداعيات المترتبة تتمثل في خسارة فكرية وثقافية، فرحيل هؤلاء المبدعين والمثقفين يمثل خسارة فادحة للسودان ومصر والعالم العربي كله. فقد كانوا ناقلات للأفكار والمعارف، وساهموا في إثراء الحوار الثقافي والفكري، وغياب هؤلاء القادة والمثقفين يترك فراغًا كبيرًا في المجتمع السوداني، ويؤثر سلبًا على مسار التنمية والتغيير، والشكر لمصر الدولة والشعب، فاستقبالها لأعداد كبيرة من السودانيين يضع ضغطًا إضافيًا على الموارد والبنية التحتية، ويستدعي تضافر الجهود لتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة لهم.
يجب على المجتمع الدولي والدول المستقبلة للاجئين السودانيين تقديم الدعم اللازم لهم، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية، وتسهيل اندماجهم في المجتمعات الجديدة، وانهاء الحرب في السودان بالانتصار العسكري او المفاوضات لإيجاد حل سياسي للأزمة هو السبيل الوحيد لوقف المعاناة، وتمكين النازحين واللاجئين من العودة إلى ديارهم، ويجب علينا جميعًا أن نقدر دور المثقفين والمبدعين في بناء المجتمعات، وأن ندعمهم ونشجعهم على مواصلة عطائهم.
ختامًا، فإن رحيل المبدعين السودانيين في القاهرة هو ناقوس خطر يدعونا إلى التوقف والتأمل في قيمة الحياة، وأهمية الحفاظ على السلام والاستقرار. علينا أن نعمل جميعًا من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية، عالم يحترم حقوق الإنسان والكرامة.
أسئلة للتفكير:
ما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من هذه الأزمة؟
كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يساهم في حل الأزمة السودانية؟
ما هي المسؤولية التي تقع على عاتقنا تجاه اللاجئين والمهاجرين؟