منصة السودان الاخبارية
معك في كل مكان

أحياء كأنهم أموات …

متابعة - منصة السودان

بعد .. و .. مسافة.. مصطفى ابوالعزائم.. أحياء كأنهم أموات …

العنوان أعلاه لمقال كتبه الصحفي والكاتب السعودي اللامع الأستاذ مشعل السديري ، في صحيفة عكاظ قبل فترة ، وهو ممن تستهويني كتاباتهم ، لما فيها من عمق مع السخرية وخفة الظل ورشاقة الكلمة ، وقد سبق أن أشرت إلى ذلك ، ووجدت اليوم هذا المقال المؤثر ، فرأيت أن أشرك معي القارئ الكريم فيه ، وهو حول موضوع إجتماعي مهم وخطير ، ولا أريد أن أطيل ، إلى ما كتب الأستاذ مشعل السديري :

أصابني شيء من الحزن عندما قرأت تصريحا للمؤرخ والخبير الإجتماعي (عبد الله بالعمش) ، الذي أشرف على (دار رعاية المسنين) في مكة لمدة ثماني سنوات ، وجاء فيه :
إنها أمور تدعو للعجب ، من تصرفات بعض البشر ، الذين يقابلون حنان الأبوة بقسوة ، فهم يلفظون آباءهم وأمهاتهم ليعتني بهم آخرون ، حيث يحولونهم دون أن يرف لهم طرف إلى دار العجزة والمسنين .
ويمضي بالعمش قائلاً : لو حولنا الأشجار إلى أقلام ، لن تكفي لشرح قسوة بعض الأبناء على آبائهم ، والله لم تغب عن خاطري دموع المسنين والمسنات التي لم تجف يوماً ، ولم تعرف الفرح حتى في أيام الأعياد ، وهم جميعا يشكون حالهم مما أصابهم من ويلات بطش أبنائهم ، الذين يسكنون منازل فارهة ، ويشير إلى أن شريحة من سكان الدار كانوا أغنياء ومن بيوت معروفة ، إلا أن جور الأبناء وضعهم في هذا المكان .
وهذه المواقف (العقوقية) السافلة ليست موجودة عند شريحة معدومة الضمير في بلادنا فقط ، ولكنها قد تكون في بلاد أخرى كذلك .
فعلى سبيل المثال : عندما توفيت الأمريكية (جاين كونونغ) وكانت جدة لسبعة أجيال ، فلها ثلاثة عشر ولداً وإثنان وخمسون حفيداً ومئة وثمانية وثلاثون إبن حفيد ، وغيرهم .
ورغم هذا الحشد الهائل ، ماتت وحيدة في (دار العجزة) دون أن يلتفت لها أحد منهم .
وأفضل منها حظاً هو المناضل الهندي العجوز (جايا براكاش) الذي رثاه رئيس الوزراء وقتها عام (1979) .
وكان تأبيناً مؤثراً ، وأجلت بسببه جلسة البرلمان علامة الحداد ، ونكست الأعلام في كل البلاد ، إنتشر النبأ في كل شبه القارة الهندية ، وبثت محطة الإذاعة الوطنية موسيقى من وحي المناسبة ، وأغلقت المدارس والمتاجر أبوابها ، وإلتزمت الأمة الهندية بأسرها الحداد لأكثر من ساعة .
وكان الذي صدم من هذه الإحتفالية (الدرامية) هو (براكاش) نفسه الذي كذب الخبر وهو ما زال حياً وقابع كالجرذ في إحدى دور العجزة .
بعدها إعتذر رئيس الوزراء علناً على ذلك الخطأ ، غير أن (براكاش) ، رد عليه قائلا: إنني أشكر (الخطأ) ، الذي أظهر أقاربي وحكومتي على حقيقتهم ، لا أريد منكم تأبينا في مماتي ، يكفيني هو النكران والتأبين الذي لقيته منكم في كل يوم من أيام حياتي – إنتهى .
هل تصدقون أنني بعد ذلك بدأت أتعاطف مع بعض الثقافات ، بما في ذلك هنود أمريكا الوسطى في العصور القديمة ، حيث كانت العائلة ، إذا رزقت مولوداً ، تحيط به مولولة على البؤس الذي سوف يهبط عليه خلال وجوده على الأرض ، معدّدة كل المصائب التي تهدد البشرية ، أما إذا حل به الموت ، فكان الأحياء يبتهجون ويحسدون الميت الذي كانوا يرونه قد غادر دنيا الشقاء إلى السعادة الأبدية .
الشيء الذي لم أستسغه ، هو أنهم في بعض الأحيان ، لا يتورعون من أن يلحقوا بالفقيد الزوجة المفضلة من زوجاته – أي يقتلونها – كي تتمكن من مرافقته للنعيم .
ونتج عن هذه العادة الذميمة ، أن كل زوجة تحاول بقدر ما تستطيع أن تنكد على زوجها في حياته لكي لا تكون هي المفضلة .
*نقلاً عن صحيفة عكاظ*

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.