مقال – أمين الجاك عامر –
في ليلة بهيجة من ليالي الأفراح العامرة بالمحبة والنغم الأصيل، وفي زواج نجل المحامي الكبير سيف اليزل صديق الحسين بدولة الإمارات، صدح الفنان عاصم البنا بإحدى أغاني الزمن الجميل من مكتبة الإذاعة السودانية:
“بالله يا ساعي البريد، سلِّم على الزول البعيد، قول ليهو غيرك ما بريد…”
طربنا جميعًا وتمايلنا على نغمات هذه الأغنية الخالدة، وإذا بي في اليوم التالي أجد ساعي البريد يطرق باب شقتي، حاملاً لي مستندًا رسميًا كنت قد تقدمت بطلبه قبل يومٍ من الحفل.
سلّمني المستند بابتسامة صادقة، مرتديًا أبهى زيه، وإذا بي أتأمل في مشهدٍ لم أره منذ زمن. تسارعت في خاطري مشاهد الطفولة والشباب، وتذكرت ودمدني، مسقط رأسي، حيث كان البريد جزءًا من نسيج الحياة اليومية.
عند قبة الشيخ محمد مدني السني في حي المدنيين، كان يقف صندوق البريد شامخًا في الجهة المقابلة، قبالة صينية الحمامة. كانت عربات البريد تمر صباحًا ومساءً، تجمع الرسائل وتوزعها بدقة ونظام.
وفي أيام الإجازة، ونحن شباب، كنا نقضي الوقت في دكاكين أهلنا بالسوق، وكان من أحب المشاوير إليّ: “مشوار البوستة”. كنت أذهب لفتح صندوق البريد بالمفتاح الخاص، أبحث عن الرسائل، المجلات، والصحف التي كانت تصلنا من الخارج.
أتذكر بتأثر شديد تلك المجلات الإنجليزية، مثل “التايمز” و”النيوزويك”، التي كانت تصل لوالدي رحمه الله، وكذلك رسائل الجامعة الأمريكية في بيروت التي درس فيها، وظلت تصلنا حتى بعد وفاته، ثم توقفت بتوقف هذه الخدمة.
المزيد من المشاركات