منصة السودان الاخبارية
معك في كل مكان

ود مدني… أزمة النفايات والحاجة إلى شراكة ذكية بين الدولة والمجتمع

بقلم – امين الجاك


منذ سنوات، ومدينة ود مدني تعاني من أزمة نظافة خانقة، تحولت فيها النفايات إلى مشهد يومي مألوف،لا يثير الاستغراب بقدر ما يثير الأسى. هذه الأزمة ليست وليدة الحرب الأخيرة، بل تمتد جذورها إلى ما قبلها، وتحديدًا منذ انتهاء فترة حكم (الوالي إيلا،) ..ومن هنا بدأت ملامح التراجع في إدارة ملف النفايات والخدمات البيئية بالمدينة بعد ان حقق هذا الملف نجاح منقطع النظير انذاك
تعقدت الأمور بعد قيام الثورة، حين تم إغلاق مكب النفايات في منطقة الإنقاذ،استجابة لاعتراضات سكان المنطقة المتضررين من وجوده. ورغم توفر بعض الآليات والمعدات الخاصة بنقل النفايات، إلا أن غياب البدائل المناسبة وتعثر نقل المخلفات، قاد إلى تراكمها في الشوارع والأحياء والأسواق.وأعتقد بعد ذلك كانت هنالك مساعي لتوفير مكب جديد للنفايات وتصورات عديدة لم يحالفها التوفيق انذاك..
وكنوع من الاحتجاج الصامت، علي هذه المشكلة بدأ المواطن في إلقاء النفايات على الأرصفة وفي الشوارع المعبدة، ومع مرور الوقت، ساد نوع من “التطبيع السلبي” مع هذه الأوضاع، حتى أصبح القبول بالقبح هو القاعدة، لا الاستثناء. المؤلم في الأمر أن هذا التردي لم يقف عند المواطن فحسب، بل شمل أيضاً بعض الجهات الإدارية، التي بدا وكأنها قد احتارت واستسلمت للواقع، ورفعت يدها عن أي محاولة للإصلاح،العاجل والمناسب وفي الأعياد اصبح من المألوف جدا ان تجد جلود الأضحية مرمية في الطرقات وفي عز المطر وكأن لسان حال الجميع يقول: “منعول أبوكي بلد!”
ثم جاءت الحرب اللعينة، لتضع المدينة في مأساة أكبر. دخول الجنجويد إلى ود مدني حول النفايات إلى أقل المشاكل إلحاحًا، إذ لم نعد نرى فقط جلود الأضاحي مرمية في الطرقات، بل رأينا المقابر تُنقل إلى داخل الأحياء والميادين العامة،لدفن امواتنا والشهداء والقتلى والهلكى من القوات المعتدية بعد أن غابت الإمكانات الأمنية واللوجستية للوصول إلى المقابر الأصلية. وانعدم الامن والأمان في المدينة
في ظل هذا المشهد القاتم، لا يمكننا انتظار تدخل الدولة المركزية أو الولائية فقط. فقد تجاوزت الأزمة حدود قدرة المؤسسات الرسمية، وبات من الضروري جدا التفكير خارج الصندوق، عبر تفعيل شراكة حقيقية وذكية بين المواطن والدولة.على المستوي المحلى برعاية ودعم ومباركة من حكومة الولاية
الحل: شركات أهلية لإدارة النظافة وادارة الخدمات على مستوى الأحياء
أقترح هنا نموذجًا تشاركيًا يقوم على تأسيس شركات صغيرة على مستوى الأحياء، يكون رأس مالها مشتركًا بين الدولة والمواطنين، وتُدار بشفافية وكفاءة. تتولى هذه الشركات مسؤولية النظافة وجمع النفايات، وربما لاحقًا تقديم خدمات أخرى مثل الإصحاح البيئي والصحي والتحصيل العوائد وإدارة الميادين والمراكز الصحية بشركات مع وزارة الصحة … الخ على أن تحصل مقابل ذلك على رسوم رمزية أو نسبة من العوائد.تعطي منها جعل (ربح) للمساهمين من المواطنين اهل الحي المعني وتطور بها الخدمات
يهدف هذا النموذج إلى:
تمكين المواطن من إدارة شؤون بيئته المحلية.
•تقليل العبء عن كاهل الدولة.
•خلق فرص عمل داخل الأحياء لأبناء الحي .
تعزيز التنافس الإيجابي بين الأحياء في تقديم الخدمات.
تحقيق عائد ربحي للمساهمين، بما يحفز الاستدامة والاستثمار في النظافة.
ومع مرور الوقت، يمكن أن تتجمع هذه الشركات في كيان تنظيمي أكبر، شركة قابضة على مستوى المدينة، تُعنى بوضع السياسات العامة، وتنسق الجهود، وتدير المشاريع الكبرى مثل مكبات النفايات ومصانع إعادة التدوير، على أسس تجارية تنموية.وتوفير اكياس نقل النفايات المدعومة لكل الشركات المساهمة لتقوم بتوزيعها علي المواطنين –
هذا النموذج ليس مستحيلاً. هو ببساطة إعادة صياغة لدور الدولة، لا على أساس الانسحاب، بل على أساس التفويض الذكي والمشاركة المجتمعية، التي تخلق مواطنًا مسؤولًا، يرى في حيّه وشارعه جزءًا من ممتلكاته ومصالحه.
ود مدني، بتاريخها وثقافتها ومكانتها، تستحق أن تكون نموذجًا رائدًا في هذا النوع من التحول،وأن تنتقل من مرحلة الشكوى والتذمر، إلى مرحلة الفعل والمبادرة.
في الختام
لقد آن الأوان لأن نكف عن انتظار الدولة لتقوم بكل شيء، وأن نتحول إلى شركاء حقيقيين في صناعة مدينتنا. ومتى ما أصبحت النظافة مصدر دخل وفرصة استثمار، وليست عبئًا أو عملاً موسمياً، فسوف تجد أن الجميع – دولة ومواطنًا – حريص على الحفاظ عليها.
ود مدني تستحق الأفضل. فلنمنحها ما تستحق.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.