منصة السودان الاخبارية
معك في كل مكان

“تركة القذافي” .. عملية سياسية “ميتة” في ليبيا

وكالات – منصة السودان –

تغيَّرت ليبيا كثيراً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. فشل الليبيون في إقامة نظام جديد أفضل منه، وأدى تنافسهم على تركة القذافي إلى انقسام البلاد فعلياً إلى شطرين أساسيين؛ حكومة في الغرب تحظى بدعم تركيا، وأخرى في الشرق تحظى بدعم روسيا، لكن الصورة، في الحقيقة، أكثر تعقيداً من مجرد وجود حكومتين متنافستين.

 

يسلّط هذا التقرير الضوء على الأطراف الأساسية المتنافسة على السلطة في ليبيا اليوم، وتحديداً حكومة الوحدة الوطنية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، مقابل الحكومة المدعومة من البرلمان وقوات المشير خليفة حفتر في الشرق. يقدم التقرير صورة عن أسباب الجمود في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، والتي توصف بأنها باتت ميتة فعلياً. يتناول العلاقة بين الخمسة الكبار في الساحة السياسية الليبية، ويشرح خريطة الجماعات المسلحة في طرابلس، ونشوء ظاهرة نظام العائلات القوية في الشرق كما في الغرب.

 

في مثل هذه الأيام من عام 2011 كان المعارضون الليبيون يطرقون أبواب العاصمة طرابلس… معقل العقيد معمر القذافي في باب العزيزية، وهو مجمع ضخم بالغ التحصين، لم يصمد طويلاً. دخلته جماعات مسلحة، بعضها ينتمي إلى تيارات كانت توصف بأنها إرهابية وخرج أفرادها لتوهم من السجون. مع سقوط طرابلس، سقطت فعلياً «جماهيرية» القذافي رغم أنه بقي يقاوم حتى أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، حين تمكن «الثوار» من قتله في ضواحي سرت، مسقط رأسه على الساحل بين طرابلس وبنغازي.

 

سلكتُ الطريق البرية من الحدود التونسية إلى طرابلس. كانت رحلة محفوفة بالمخاطر. الصراع على معبر راس جدير لم يكن قد حُسم بعد. كان الرصاص يلعلع فوق رؤوس العابرين. مؤيدو القذافي كانوا ما زالوا يتمركزون في البلدات العربية القريبة من المعبر، بينما معارضوه الأمازيغ في زوارة يقودون محاولات الهيمنة على المعبر. لم يختلف الأمر على طول الطريق من هناك إلى طرابلس… حواجز وسواتر ودمار؛ مدن مع القذافي ومدن ضده، حتى في طرابلس نفسها، كان الوجوم بادياً على مناصري النظام السابق. لم يتردد هؤلاء المهزومون في الشكوى، بهمس، من حكّامهم الجدد الذين كانوا يطلقون النار احتفالاً بفرار القذافي بعدما حكمهم طيلة 42 عاماً. في منزل القذافي بباب العزيزية، كانت الأوراق ما زالت مبعثرة على الأرض… بعضها مكتوب بخط اليد. جمعت بعضها على سبيل الذكرى، لكنها لم تكن أوراقاً مهمة، كما يبدو، فالوثائق الأساسية أخذها المعارضون المنتصرون من هناك، كما فعلوا بالوثائق التي حصلوا عليها من قيادة الاستخبارات الليبية.

 

بعد 13 عاماً من إطاحة القذافي، فشلت ليبيا في إقامة نظام بديل أفضل منه، وسط تنافس بين لاعبين أساسيين على تقاسم تركته. انقسمت البلاد إلى حكومتين متصارعتين على السلطة؛ إحداهما تمسك بالشرق والأخرى بالغرب. الجيش الليبي الذي سقط مع سقوط النظام، أعيدَ تشكيله اليوم إلى حد كبير في شرق البلاد بقيادة المشير خليفة حفتر. لكن الأمور في غرب البلاد تبدو أكثر تعقيداً. جماعات مسلحة عدة تعمل تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، لكنها تتنافس في ما بينها، وكل منها يمسك بمنطقة نفوذ. وما يزيد الأمور تعقيداً، عسكرياً، أن التنافس والصراع بين الشرق والغرب لم يعد ليبياً صرفاً، فقوى الغرب مدعومة من تركيا التي تنشر قوات ومرتزقة سوريين متحالفين معها في قواعد عسكرية عدة، بما في ذلك طرابلس. أما في الشرق والجنوب، فهناك وجود روسي داعم لحفتر، تمثّل في البداية بمرتزقة مجموعة «فاغنر»، لكنه بات اليوم حضوراً مباشراً للجيش الروسي، وسط حديث عن موطئ قدم جديد للكرملين على البحر المتوسط.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.