رياضة عالمية
أخر الأخبار

كأس العالم ما بين مطرقة الأزمات السياسية وسندان السلام العالمي …!!* 

*كأس العالم ما بين مطرقة الأزمات السياسية وسندان السلام العالمي …!!*

 

تقرير: عبد القادر جاز

 

بما أن الرياضة بمقدورها الجمع بين كافة العادات والتقاليد والثقافات المتباينة ما بين شعوب العالم المختلفة، السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم يستثمر هذا التنوع في تقريب وجهات النظر الاجتماعية لتقلبات الأزمات السياسية لتوجيهها نحو السلام العالمي المنشود من منظور رياضي؟ بالإمكان أن تكون الرياضة المتمثلة في لعبة كرة القدم البديل الأمثل لمعالجة الأزمات التي أفرزتها السياسة من واقع بطولة كأس العالم التي استضافتها دولة قطر، في مضمونها تسجيل الأهداف في المرمى، وفي نهايتها إما منتصر أو مهزوم، لما لا ننظر إلى أن الغاية الأسمى هي الاعتراف والقبول بالأخر؟

 

*القوى الناعمة:*

 

أوضح البروفيسور أحمد عبد الدائم محمد حسين أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة القاهرة والمحلل السياسي في العلاقات الدولية أنه بطبيعة الحال تمثل الرياضة إحدى القوى الناعمة التي يمكنها أن تحل كثير من المشاكل السياسية والثقافية والاجتماعية بين الشعوب المختلفة، ولفت إلى أن كأس العالم في قطر ظهرت فيه، تباينات كثيرة تم حلها بتقدم البطولة شيئا فشيئا، سواء مع قطر نفسها وإجراءاتها التي تتناسب مع ثقافتها، أو مع تراجع الحرب الروسية الأوكرانية لصالح كأس العالم، مضيفا أن هذه البطولة شاهدها كل العالم بتنوعاته المختلفة، ورأى فيها ما يوحد بين الناس ويجمعهم، منوها أن تراجع مستوى الانتقاد على إجراءات الدولة المنظمة بشهادة الجميع، وحظيت بإشادة دولية تصعب على الدول التي ستستضيف بطولة عام 2026م.

 

*حالة فريدة:*

 

أكد عبد الدائم أن الرياضة بمقدورها جمع أناس مختلفين في العادات والتقاليد والثقافات، ويتكئ عليها السياسيون في حل بعض المعضلات من خلال تبادل الزيارات مع بعضهم البعض عبر الحصول على استراحة من المعارك السياسية والاقتصادية وغيرها، ودعا ساسة العالم لتحويل هذه الاستراحة إلى تفاهمات للتعايش السلمي والانسجام لحل المعضلات والمشكلات بالطرق السلمية، وشدد على ضرورة أن ينعقد كأس العالم كل سنتين بدلا من أربع سنوات نسبة لكونه يساهم في حل كثير من المعضلات الثقافية والاجتماعية، ووصف قطر بأنها تمثل حالة فريدة لتعايش الثقافات المختلفة برقي وتفاهم وود.

 

*الاختراق والتدوير:*

 

اعترف عبد الدائم أن هنالك اختلاف بين السياسة والرياضة، فالصراع الرياضي محكوم بقواعد وأدوات وقوانين ولجان تحكيم تضبط المسألة، بينما الصراع السياسي نجد التدخلات الخارجية والمؤامرات القائمة دون أن تحكمها قواعد أو نظم، كاشفا أن هنالك بعض الدول تخترق القانون الدولي وتضرب به عرض الحائط ولا تعنيها إلا مصالحها الذاتية، مستطردا بقوله: إن هناك صعوبة في إيجاد تشابه ومقارنة بين السياسة والرياضة، مؤكدا أنه يمكن استغلال الرياضة في صنع التعايش والانسجام لخلق تفاهم مشترك بين الدول والشعوب، معتبرا أن الأمم المتحدة يمكن لها أن تلعب دورا مهما في تقريب وجهات النظر المتباينة، مرجحا أن الأمم المتحدة بحاجة إلى استغلال العلاقات الجيدة التي تنشأ عبر الرياضة واستثمارها بتدوير كأس العالم عبر أقاليم العالم المختلفة ولزيادة عدد المشاركين من كافة أنحاء العالم.

 

*التطويع والتذويب:*

 

قال الأستاذ يوسف ريحان رئيس المعهد الأفريقي للسلام والتنمية إن كرة القدم وهي الأكثر جذبا واهتماما على مستوى العالم، وقال إنها بلا شك تتربع على قمة الرياضات والاهتمامات الأولى عند الشعوب والدول من حيث الدعم والتطوير والبنيات التحتية والتنافس على استضافة بطولاتها المختلفة في مقدمتها مونديال كأس العالم، موضحا أنه إذا نظرنا إلى التنافس الشرس الذي خاضته قطر لكسب رهان الاستضافة من حيث إمكانياتها المادية والبشرية غير المسبوقة والمميزة من كل النواحي باعتراف الجميع لإدارة وتنظيم هذه البطولة، مؤكدا أنه بالإمكان تطويع مثل هذه الفعاليات في تذويب جبل الجليد، وإمكانية علاج ما تفسده السياسة، وعلاج العديد من الأزمات السياسية، بجانب ما تصنعه من جو ملائم يمكن أن يساهم في علاج ما طرحته من سؤال.

 

*مغايرة المشهد:*

 

اقر ريحان أن كثير من الأزمات السياسية في السودان ومثيلاتها في المنطقة هي في الأساس ذات بعد اجتماعي وثقافي لكنها تأخذ شكلا سياسيا، ولفت إلى أن قطر ركزت على كيفية التعريف بهويتها العربية الإسلامية لعكس ثقافتها وتراثها مما جعل الجماهير شغوفة بها بدرجة كبيرة، مع رغبتها في التشجيع والاستمتاع بالمباريات لمشاهدة النجوم العالميين، إضافة إلى ارتباط هذه الجغرافيا في فترة من الفترات بالأزمات والصراعات، فإذا به يشاهد شيئا مغايرا لما ألفه من قبل، بالطبع أن هذا اللون الثقافي المتعدد الذي يعكس ألوان أخرى من جهات وبيئات مختلفة تفاعلت وأبرزت بصمتها الخاصة في التشجيع والأزياء والسحنات واللغات المختلفة، قائلا بالتأكيد إن مثل هذه الفعاليات تساهم في إرساء السلام العالمي، باعتبارها فعالية عالمية في مكان جغرافي محدود اسمه دولة قطر.

 

*الحزن والتحفيز:*

 

أوضح ريحان أن كرة القدم مضمونها هو نصر وهزيمة بطعم مختلف حيث يهنئ فيها الخاسر الفائز ويواسي فيها الفائز الخاسر، معتبرا أن الهزيمة والنصر لا يخلفان ضحايا ولا تنزف منهما الدماء ولا يدمران الأرض ولا يهلكان الحرث والنسل، ووصفها بأنها فعالية تخلق الفرح وتترك شيئا من الحزن النبيل وتحفز على التنافس من جديد، وأردف بقوله: بهذه الطريقة وبما تخلقه من روح رياضية تتقبل الهزيمة بصدر رحب مما يخلق نموذجا يصلح للتعايش وإدارة التنوع ومعالجة الأزمات الاجتماعية والثقافية والسياسية، مشيرا بهذا الخصوص إلى أنه من الأهمية بمكان في ظل أزماتنا المتلاحقة تذكير المهتمين بالمجال الرياضي والتربوي والثقافي بإظهار مثل هذه المقاربات والتذكير بها فهي ليست ترفا فكريا، أو أمرا خياليا يصعب تحقيقه.

 

*كسب الرهان:*

 

أكد د.محمد اليمني المحلل السياسي في العلاقات الدولية أن الرياضة تعد من أهم المجالات المهمة في الوسط السياسي لبعض الأوقات كما شاهدنا افتتاح كأس العالم بدولة قطر بمصافحة الرئيس التركي الرئيس المصري بمساعدة أمير قطر، موضحا أن الرياضة تجمع كل ثقافات العالم وتقاليدها شاهدنا بالأمس ما فعله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وتشجيعه لمنتخب فرنسا، وأردف بقوله: إن الرئيس الفرنسي يعلم جيدا إذا فرنسا كسبت الرهان النهائي وأخذت كأس العالم هذا سيكون بمثابة ضربة قوية إيجابية في الداخل الفرنسي لتهدئة الرأي العام بخصوص الوضع الاقتصادي وما شابه ذلك.

 

*ارتداء العباية:*

 

قال اليمني إن كرة القدم ما هي إلا لعبة للمتعة والمشاهدة والاستمتاع بها ليس أكثر من ذلك، ورجح أن قبول الآخر والاعتراف به، يرجع لثقافة المجتمعات على سبيل المثال: لاحظنا كيف استخدمت قطر هذا الحدث في نشر الإسلام والقيم الإسلامية وارتداء ميسي العباية العربية في تسليمه كأس العالم، مؤكدا أن قطر أحسنت تخطيطا وتنفيذا باحترافية عالية إخراج الفعالية بالصورة التي تليق بحجم البطولة.

 

*قيمة عكسية:*

 

قال الأستاذ أيمن الصادق صحفي إن نسخة كأس العالم بدولة قطر للأسف هي استثنائية بقيمة عكسية أو شاذة باعتبار أنها لا تصلح للمقارنة نتيجة للغط والجدل الكثيف منذ إعلان الاستضافة للمونديال، ولفت إلى أن التشكيك في سلامة إجراءات القرعة مرورا بملف حقوق الإنسان على سبيل المثال: العمال الأجانب، معتبرا أن هذه كلها حمولة دخلت بها الدولة الصغيرة لعملية تنظيم المونديال، ويرى أنها قد صرفت الكثير من الأموال لخفض الضجيج حولها، كاشفا أن معالجتها للأزمات تمثلت في الحد الأدنى في أعقاب التفاعل السعودي قبل وأثناء المونديال على حد تعبيره، وأردف بقوله: إنه لا يعتقد أن هذا بمثابة صفحة جديدة، مبينا أنه على المستوى العالمي فليس ذو أثر باعتبار أن معاييرهم مختلفة وقراءاتهم من زواية تأتي خارج الإرادة القطرية، وظهر جليا من خلال جهودهم لتلبية ذلك في الافتتاح والختام.

 

*أسباب مفاهيمية:*

 

أكد أيمن إذا أردنا تقريب وجهات النظر لمعالجة الأزمات السياسية علينا إجراء حوار عالمي برعاية أممية، ليصبح برنامج عمل من أجل تحقيق التسامح الثقافي والديني والاجتماعي سعيا لتجاوز العقبات التي أقعدت بنا دون تحقيق السلام المنشود، موضحا أن أفريقيا والعالم العربي يعانون كثيرا من الأزمات الاجتماعية والثقافية والسياسية لأسباب مفاهيمية معلومة، واعتبرها لا تعدو أن تكون أمرا للوقوف عندها حتى، مرجحا أنه في مجمل الأمر الرياضة وخاصة كرة القدم باعتبارها أهم لغة للتسامح والتواصل بين الشعوب وعبرها بالإمكان أن يتحقق السلام العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock